قَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ والجمز. وَمِنْ قَبْلِهِ، أَيْ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ، ﴿ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ﴾، كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. ﴿ قالَ ﴾ لَهُمْ لُوطٌ حِينَ قَصَدُوا أَضْيَافَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ غِلْمَانٌ: ﴿ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾، يَعْنِي: بِالتَّزْوِيجِ، وَفِي أَضْيَافِهِ بِبَنَاتِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْكَافِرِ جَائِزًا كَمَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ابنتيه مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَأَبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: عَرَضَ بَنَاتَهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بن جبير: قوله: بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، أراد به نِسَاءَهُمْ وَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ».
18377- حدثني يعقوب قال ، حدثنا أبو بشر، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: (هن أطهر لكم) ، قال: ما عرض عليهم نكاحًا ولا سفاحًا. (27) 18378- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يَقي أضيافه ببناته. 18379- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر عن الربيع، في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، يعني التزويج ، حدثني أبو جعفر، عن الربيع في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، يعني التزويج. (28) 18380- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قول لوط: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، يعني: نساءهم ، هنّ بَنَاته ، هو نبيّهم ، وقال في بعض القراءة: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ) [سورة الأحزاب: 6]. (29) 18381- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، قالوا: أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد؟ 18382- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جاءت الرسل لوطًا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرَعون إليه.
( أليس منكم رجل رشيد) صالح سديد. قال عكرمة: رجل يقول لا إله إلا الله. وقال ابن إسحاق: رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
18371- حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، يقول: مسرعين. * * * وقوله: (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) ، يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم، كما:- 18372- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) ، قال: يأتون الرجال. * * * وقوله: (قال يا قوم هؤلاء بناتي) ، يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتي ، يعني نساء أمته ، فانكحوهن فهنّ أطهر لكم، كما:- 18373- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: أمرهم لوط بتزويج النساء وقال: (هن أطهر لكم). 18374- حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغني هذا أيضًا عن مجاهد. 18375- حدثنا ابن وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: لم تكن بناته، ولكن كنَّ من أمّته، وكل نبي أبُو أمَّته. 18376- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، لم يعرضْ عليهم سفاحًا.
فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفانًا ما رأيت أحسنَ ولا أجمل قطُّ منهم! وكانوا يأتون الرجالَ شهوة من دون النساء، فاحشةٌ ، لم يسبقهم بها أحد من العالمين. فلما جاؤوه قالوا: أو لم ننهك عن العالمين؟ أي: ألم نقل لك: لا يقربنَّك أحدٌ، فإنا لن نجد عندك أحدًا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال: " يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " ، فأنا أفدي ضيفي منكم بهنّ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح. 18383- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (هؤلاء بناتي ، قال: النساء. * * * واختلفت القراء في قراءة قوله: (هن أطهر لكم). فقرأته عامة القراء برفع: (أَطْهَرُ) ، على أن جعلوا " هن " اسمًا، " وأطهر " خبره، كأنه قيل: بناتي أطهرُ لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال. * * * وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك: (هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ) ، بنصب " أطهر ". (30) * * * وكان بعض نحويي البصرة يقول: هذا لا يكون، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرةً خارجة من المعرفة، ويكون قوله: " هن " عمادًا للفعل فلا يُعْمِله.
وفي الدعاء النبوي المأثور "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد" والمقصود بالعزيمة على الرشد عقدُ القلب على تنفيذ الأمر الصواب. فالرُشْدُ والرَّشَدُ والرشاد نقيض السفه والغي والضلال. والوليُّ المُرشدُ هو خيرُ ما يُكتسب في بيداء الحياة وتجاربها لقوله عز وجل: "من يهد الله فهو المهتد ومن يضْللْ فلن تجد له ولياً مرشدا" وقوله: "هَلْ اَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا" [سورة الكهف، الآية:66]؛ وهذه نقطة ضعف في النظام الثقافي والقيمي المعاصر؛ فإن أزمة القيم، وأزمة التربية، وأزمة الاجتماع إنما هي أعراض وفروع لمشكلة غياب الولي المرشد الذي يزكي الأمة ببينات الكتاب والحكمة، ويربيها بلسان الأفعال قبل لسان الألفاظ. والولي المرشد قد يكون أبا أو أما، وقد يكون أستاذا، وقد يكون عالما، وقد يكون مؤسسة إعلامية أو ثقافية أو جهة من جهات التوجيه والتأثير... وفي جميع تلكم الأحوال؛ فإن الإخلاص في القيام بوظيفة الولي المرشد تربية وتعليما وتثقيفا هو الأساس في التمهيد للإنسان الرشيد، والمؤسسات الراشدة التي يمنع وجودها من استفحال الداء وانتشار الفساد، ولذلك قال تعالى على لسان لوط عليه السلام لما جاءه قومه يريدون فعل الفاحشة بضيوفه: "قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم-يعني إذا تزوجتموهن- فاتقوا الله ولا تُخْزُون في ضيفيَ أليس منكم رجل رشيدٌ" [سورة هود، الآية:78] فانظروا إلى أي مدى يمكن أن ينتهي الغي بقوم، وانظروا نصيحة هذا النبي: يعرض بناته على أخباث قومه للزواج ليقي ضيوفه، ويمنع المنكر في نادِيه، ومع ذلك يرفضون: "قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق" أي مالنا فيهم من حاجة أو أرب "وإنك لتعلم ما نريد قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلي ركن شديد" [سورة هود، الآية:79].