(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 11/197).
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْلَمْتَهُ ؟)) قَالَ: لَا ، قَالَ: (( أَعْلِمْهُ)) قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. ولمّا كان الحبّ في الله مبنيّا على التّقوى والطّاعة، ناسب أن تكون الوصيّة وصيّة على الحقّ والثّبات عليه. - ( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ): أي: إذا أردت ثبات هذه المحبّة فلا تتركنّ هذا الذّكر. - ( دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ): فيه مسألتان: الأولى: الحديث عامّ، فيشمل الفريضة والنّافلة ، وهذا هو الأصل. ولا تخصّص الفريضة بذكرٍ معيّن إلاّ بدليل، كما هو شأن التّسبيح والحمد والتّكبير. الثّانية: معنى ( دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ) أي عقِبَها وخلفَها، أي: بعد التّسليم، وهذا هو الظّاهر. وقيل: آخر الصّلاة قبل السّلام ، كما أنّ دبر الحيوان آخره. قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/305): " ودبر الصّلاة يحتمل قبل السّلام وبعده، وكان شيخنا يرجّح أن يكون قبل السّلام، فراجعته فيه، فقال:" دبر كلّ شيء منه كدبر الحيوان ". وابن تيمية رحمه الله قد ذكر هذه المسألة في مواضع من الجزء الثّاني والعشرين من "مجموع الفتاوى" ولكنّه لم يجزم بأحد القولين.
اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) ( [1]). المفردات: (( تجتهدوا)): من الجهد، وهو استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو عمل، يقال: جهد الرجل في الشيء: إذا جدَّ فيه وبالغ( [2])، والمقصود هنا الجد، والمبالغة في الدعاء. الشرح: هذا الدعاء جليل القدر, عظيم الشأن؛ لشرف متعلقه، وذلك أن: ((أنفع الدعاء: طلب العون على مرضاته, وأفضل المواهب: إسعافه بهذا المطلوب، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا, وعلى دفع ما يضادّه، وعلى تكميله، وتيسير أسبابه فتأملها, قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه: تأملت أنفع الدعاء, فإذا هو سؤال العون على مرضاته, ثم رأيته في الفاتحة في: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" ( [3]) > ( [4]). لهذا وصَّى المصطفى صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذاً أن لا يدع هذا الدعاء الجليل بعد كل صلاة، وكذلك حثّه صلى الله عليه وسلم بأسلوب التشويق والترغيب: (( أتحبون أن تجتهدوا)) للأمة كلها. قوله: (( اللَّهم أعني على ذكرك)): فيه الطلب من اللَّه، والعون على القيام بذكره؛ لأنه أفضل الأعمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ > قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: < ذِكْرُ اللَّهِ تعالى))( [5]).
قَالَ: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ " قُلت: أَقْضِي بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيما قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ". قَالَ: قُلت أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو (أي ولا أقصر ولا أعجز). قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَي، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ ". وقد شهد له خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – بالإمامة في العلم والحكمة فكانوا يلجأون إليه في أمور دينهم ليفتيهم فيها بما أراه الله في كتابه العزيز وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (خطب عمر بن الخطاب بالجابية يوماً فقال: من كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. وكان يقول – رضي الله عنه – حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر – رحمة الله – أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى علي وقال: رجل أراد وجهاً يريد الشهادة فلا أحبسه! فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى على مصره. قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر).